سورة النساء - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (11) وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)} [النساء: 4/ 11- 12].
أما حقوق الأولاد فقال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 4/ 11]. أي يعطى الولد الذكر ضعف الأنثى، لأنه المسؤول عن الإنفاق على نفسه وأولاده وزوجته وأخته غير المتزوجة، ولا تطالب المرأة بالإنفاق على أحد، سواء كانت أما أو زوجة أو بنتا أو أختا. وتأخذ البنت الثلث مع أخيها، وتدخره لنفسها، وتأخذ البنتان أو الأختان أو البنت مع الأخت الثلثين، وتأخذ البنت الواحدة المنفردة نصف ما ترك أبوها، والباقي للورثة العصبة الأباعد نسبيا إذا قورنوا مع الولد. والبنات يحجبن بنات الابن.
وأما حقوق الوالدين: فلكل من الأب والأم السدس لأن علاقتهما ومحبتهما بالنسبة للمتوفى الولد سواء، إن كان له ولد، فإن لم يكن له ولد ولا ولد ابن، وورثه أبواه فلأمه الثلث من التركة، والباقي للأب. فإن كان للمتوفى إخوة من ذكور أو إناث، رجعت الأم من الثلث إلى السدس، سواء كانت الإخوة أشقاء أو لأب أو لأم.
ويقدم أولا ما يحتاجه الميت من نفقات التكفين والتجهيز والدفن، ثم يقضى الدين الذي كان على المتوفى في حال الحياة، ثم تنفذ وصايا الميت في حدود الثلث، ثم تقسم التركة، قال اللّه تعالى بعد بيان حقوق الأولاد والوالدين: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء: 4/ 11] وتقديم الوصية على الدّين في الذّكر للتنويه بها والعناية بتنفيذها، لأن الورثة قد يتثاقلون في تنفيذ الوصية، ولكنهم لا يستطيعون التلكؤ في سداد الدين الذي يكون للدائن حق المطالبة به، وهذا دليل واضح على إلغاء ما كان في الجاهلية من حرمان الأنثى والولد الصغير.
وأما حقوق الأزواج: فللزوج نصف تركة زوجته المتوفاة إن لم يكن لها ولد ولا ولد ابن، من الزوج أو من غيره، سواء كانت الزوجة مدخولا بها أو مجرد معقود عليها من غير دخول، فإن كان للزوجة ولد أو ولد ابن فلزوجها الربع، والباقي للأقارب الآخرين من بعد أداء الدين وتنفيذ الوصية.
وللزوجة ربع تركة زوجها المتوفى إن لم يكن له ولد، ولا ولد ابن، ولها الثمن إن كان لزوجها ولد، والباقي للورثة الآخرين من بعد الدين والوصية.
وأما الكلالة: (الميت الذي لا ولد له ولا والد) فهو من مات وليس له وارث من أب أو جد، ولا فرع وارث من ولد وولد ابن، وكان له أخ أو أخت من أم فلكل واحد منهما السدس، ويلاحظ وجود التسوية بين الذكر والأنثى هنا، لأن قرابتهما للميت على درجة متساوية واحدة وطريق الصلة واحد وهو الأم، فإن كان الإخوة لأم اثنين فأكثر فلهم الثلث كالأم، وهذا كله من بعد سداد الدين وتنفيذ الوصايا.
وإن كان لهذا الرجل الكلالة أخت شقيقة أو لأب فلها النصف، وللأختين الثلثان، وللأخت الثلث مع أخيها.
هذه قواعد الإرث في شرع اللّه ودينه في غاية العدالة والإنصاف، والرحمة ومراعاة مسئوليات الحياة، فيجب التزامها ولا يجوز تجاوزها، ومن يتعدّ حدود اللّه فقد ظلم نفسه.
ضوابط الإرث وعقاب المخالفين وعقوبة الزناة في صدر الإسلام:
أوضح القرآن الكريم بعض القيود والضوابط التي يجب التزامها في تشريع الإرث وقسمة الحقوق المتعلقة بالتركة، وتوزيع الأنصباء بين الورثة، وجعل الإسلام نظام الإرث من قواعد النظام العام التي لا يجوز مخالفتها، أو تخطي الحدود المرسومة من اللّه تعالى، لأن اللّه سبحانه أرحم الرحماء بعباده، وأحكم الحاكمين، وأعدل المشرعين.
وأول هذه الضوابط والقيود: التقيد بشرع اللّه وترك ما كان عليه الناس في الجاهلية من حرمان الأنثى والصغير، لأن الناس لا يعرفون النافع حقيقة من الضار على المدى البعيد، فيلزم التقيد بما أمر اللّه به، فهو أعلم بالمصلحة من عباده، وأدرى بما هو أقرب نفعا للبشر، لذا فرض اللّه أحكام الميراث فريضة محكمة لا هوادة في وجوب العمل بها، فريضة من اللّه، إنه كان عليما بأحوال الناس، حكيما فيما يشرع لهم، يضع الأمور في موضعها الصحيح المناسب، قال اللّه تعالى: {آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء: 4/ 11].
والقيد الثاني والضابط الآخر لقواعد الإرث: هو ترك الإضرار في الوصية، فلا يجوز للموصي الإيصاء بأكثر من الثلث: «الثلث والثلث كثير» كما صح في الحديث.
ولا الوصية لوارث: لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم في الحديث المتواتر: «إن اللّه أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث».
ولا يجوز الإيصاء بمعصية، ولا يحل للإنسان إضرار الورثة بأن يقر بدين غير ثابت لم يقبضه من الدائن أو يكون الدين المقرّ به مستغرقا المال كله، ولا تجوز الوصية بالثلث فرارا من وارث محتاج، ولا يصح حرمان الوارث من حقه في الميراث، وهكذا فوجوه الإضرار كثيرة، قال النبي فيما رواه أبو داود عن أبي هريرة: «من ضارّ في وصية ألقاه اللّه تعالى في واد في جهنم».
وقال أيضا فيما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم في التفسير عن ابن عباس: «الضرار في الوصية من الكبائر».
ويجمع كل أوجه الضرر في الوصية والدين قول اللّه تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء: 4/ 12].
الضابط العام الثالث لنظام الإرث الشرعي: التزام أحكام اللّه كما شرع، لأن التزامها مانع من الوقوع في المعصية، وطاعة اللّه ورسوله موجبة لدخول الجنة، ومعصية اللّه ورسوله وتعدي حدوده ومحارمه مقتض لدخول نار جهنم والتعرض للعذاب المهين المذل. قال اللّه تعالى:


{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء: 4/ 13- 14].
الآيات تشير إلى ما سبقها من أحكام، فإن الأحكام المتعلقة برعاية الضعفاء من الأيتام والنساء، وأحكام العدل والإنصاف بين الزوجات والحجر على السفهاء المبذرين واليتامى قبل البلوغ، وأحكام المواريث، كل تلك الأحكام هي حدود اللّه ومحارمه التي لا يجوز لمسلم أن يتخطاها ويتجاوزها. ومن يطع اللّه ورسوله فيما شرع وبيّن، يدخله جنات تجري من تحت غرفها وبساتينها الأنهار العذبة، مع الخلود الأبدي فيها، من غير انقطاع ولا تحول عنها ولا موت آخر، وهو جزاء المحسنين، وذلك هو الفوز العظيم. وهذا وعد قاطع من اللّه، واللّه لا يخلف الميعاد.
وهناك وعيد على عصيان هذه الأحكام بسبب إنكار عرب الجاهلية لقسمة الميراث، فقد كلم فيها النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عيينة بن حصن وغيره، ويشتمل الوعيد لمن يتعدى حدود اللّه، أي أحكامه في الميراث وغيره، وينتهك حرمة اللّه ويعصي اللّه ورسوله:
إدخاله نارا وقودها الناس والحجارة، خالدين فيها إلى ما شاء اللّه، وله عذاب مهين ومذل له، فهو عذاب مادي وروحي.
هذه الضوابط لقواعد الميراث تعد مؤيدات شرعية مانعة من مخالفتها وإهمالها. قال اللّه تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ} [النساء: 4/ 13- 14].
أي إن أحكام المواريث السابقة هي أحكام اللّه وشرائعه، فلا تعتدوها ولا تتجاوزوها، ومن يطع اللّه باتباع ما شرعه من الدين وأنزله على رسوله الكريم، ويطع الرسول باتباع ما جاء به عن ربه من أحكام، يدخله جنات (بساتين) تجري الأنهار من تحت قصورها، وذلك هو الظفر والفلاح الذي لا مثيل له في الدنيا.
ومن يخالف أوامر اللّه ورسوله، ويتجاوز الأحكام المشروعة، يدخله نارا، ماكثا فيها على الدوام، وله عذاب مقترن بالإهانة والإذلال.
ثم ذكر اللّه تعالى عقاب الزناة في مبدأ الإسلام، فقال:


{وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (16)} [النساء: 4/ 15- 16].
أي والنساء اللاتي يرتكبن الزنا، فأشهدوا على زناهن أربعة من الرجال، فإن شهدوا فاحبسوهن في المنازل، حتى الموت، أو يجعل اللّه لهن مخرجا مما أتين به.
والرجلان اللذان يأتيان الزنا، فآذوهما بالقول، وعيروهما ووبخوهما على فعلهما إذا لم يتوبا، فإن تابا وأصلحا عملهما وغيّرا أحوالهما، فاتركوا عقابهما، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، إن اللّه كان وما يزال كثير القبول لتوبة عباده، رحيما بهم.
وقد نسخت هذه العقوبة بآية النور: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 24/ 2]. بالنسبة للأبكار، وبأحاديث الرجم للمحصنين والمحصنات في السنة القولية والعملية.
وقت قبول التوبة وأحكامها:
إن الإنسان تتنازعه عوامل الخير والشر، وتطرأ عليه حالات الضعف الإنساني أحيانا، فيندفع مع أهوائه وشهواته ويستجيب لوساوس شيطانه، فيقع في المعاصي والمخالفات، ثم يندم ويتراجع ويبحث عن طريق الإنقاذ والتخلص من أخطاء الماضي، لأن نفسه معذبة وضميره يوبخه ويؤنبه، وقد فتح اللّه باب الأمل أمام المخطئين النادمين ألا وهو التوبة الصادقة ما بين الإنسان وربه، من غير وساطة أحد، لا عالم ولا قريب ولا معلم، وقد وضع الشرع للتوبة شروطا وأحكاما.
وشروط التوبة أربعة: الإقلاع عن الذنب، والعزم على ترك الخطيئة في المستقبل، حتى لا يكون هناك إصرار لا توبة معه، والندم على الفعل في الماضي، ورد الحقوق المالية إلى أصحابها، وطلب المسامحة من الآخرين الذين أخطأ الإنسان معهم في الحقوق الأدبية. والتوبة: الندم على ارتكاب معصية اللّه تعالى.
وأحكام التوبة نصت عليها آيتان قرآنيتان، قال اللّه تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8